معهد الشرق الأوسط لدراسات الإعلام والسياسة

6 توجّهات للتسويق في 2023 على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية معرفتها

0 93

أذكر أنّني قبل سنوات سألت صديقًا خبيرًا في التسويق وريادة الأعمال عن مفهوم التسويق، فأجابني: “لا أعرف! إنّه مفهوم يتغيّر باستمرار ويصبح أوسع كلّ حين”.

بدأ اهتمامي بالتسويق عندما عملت مديرة للإعلام والاتّصال في إحدى المنظمات الحقوقية في تونس. في ذلك الوقت، كانت المنظمة تعتمد على شركة خارجية لتنفيذ خطّتها التسويقية. وعندما قرّرت في نهاية العام 2017 العمل بشكل مستقلّ، زاد اهتمامي بعالم التسويق. كنت أرغب في معرفة الأدوات الأساسية التي يمكنني استخدامها للحصول على عروض عمل أو تعاون. لكن مع إطلاق مشروع منصّة “إنسان”، وافتقار فريقنا إلى مختصّين في التسويق، كان تعميق المعرفة بمهارات التسويق، خاصّة الرقمية منها، أمرًا لا غنى عنه.

ولأنّ التسويق “يتغيّر ويصبح أوسع كلّ حين” بعبارة صديقي، يهمّنا، كصحفيين.ات (منتسبين.ات أو مستقلين.ات) ومديري.ات مشاريع إعلامية معرفة أبرز التغيّرات والتوجّهات في التسويق للعام 2023.

أولًا، التّخصيص هو مفتاح القلوب

في فيلم الخيال العلمي تقرير الأقليّة (Minority report) تتعرّض شخصية جون آندرتون (Tom Cruise) إلى سلسلة من الإعلانات المخصّصة التي تناديه باسمه أثناء مروره بمتاجر المدينة. ما كان يعدّ قبل عقدين من الزمن خيالًا علميًا تفتّقت عنه قريحة ستيفن سبيلبرغ، يوشك أن يكون واقع التسويق في يومنا هذا.

يقول 80 ٪ من المستهلكين/الجمهور إنهم سيكونون أكثر احتمالًا للحصول على خدمات علامة تجارية ما (أي في سياقنا، المؤسسة الإعلامية أو الصحفي نفسه كصاحب علامة تجارية شخصية) توفر لهم تجربة شخصية. لنأخذ مثلًا التسويق عبر البريد الإلكتروني والّذي يعدّ أحد أفضل طرق التسويق المستخدمة حاليًا والتي من المتوقّع أن يتواصل ازدهارها في العام المقبل. حيث يمتلك كل شخص تقريبًا حسابا بريديًّا إلكترونيًا، مما يجعل التسويق عبر البريد الإلكتروني أداة متاحة بشكل كبير للعلامات التجارية للتواصل مع مستخدميها، والمؤسسات الإعلامية للتواصل مع جمهورها.

في هذا السّياق، تخلق الرسائل التسويقية المشخّصة أو المخصّصة صلة حقيقية بين العلامة التجارية والجمهور المستهدف. تصلني يوميًا عشرات النشرات الإلكترونية. معظمها تكون عبارتها الافتتاحية “مرحبًا” أو “مرحبًا، جميعًا”. لا أقرأ هذه النشرات، لأنّها ببساطة لا تتوجّه لي بشكل خاصّ. مجهود صغير إضافي يجعل النشرة تتوجّه إليّ هكذا “مرحبًا أمل”، سيجعلني أقرأ بكلّ تأكيد. وهذا ليس سوى المستوى الأوّل والأبسط من تخصيص التسويق.

تمكّن تطوّرات التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي وزيادة جمع البيانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمصادر الأخرى من تخصيص كل شيء بدءًا من المحتوى إلى التصميم فتوصيات المنتج وكلّ ما بينهما. هذه الأدوات تسمح جميعها باستهداف شخصي أكثر دقّة للجمهور على مستوى محلّي، إذا كانت الوسيلة الإعلامية إقليمية مثلًا، أو مستوى لغوي، إذا كانت تصدر بعدّة لغات.

ثانيًا، التحدّث مع الجمهور: ليس عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط

في العام 2023، سيتعاظم دور منصّات المراسلة الفورية (Real-time messaging platforms) في التواصل مع العملاء/الجمهور. وإذا فكّرنا في علاقتنا بجمهورنا، سنجد أن وسائل التواصل الاجتماعي أنستنا أنّ التعليقات كانت تتمّ، قبل عصر السوشيال ميديا، مباشرة على موقع المؤسسة الإعلامية، تحت المقال المنشور.

جعلت السويشل ميديا التواصل مع الجمهور يتمّ فقط عبر حساباتها الشخصية ومن خلال موظف واحد (أو أكثر) يعمل مديرًا للتواصل الاجتماعي، ومكلّفا بالإجابة عن تعليقات الجمهور والتفاعل معها. لكن ماذا لو عدنا (بالتوازي مع ذلك) إلى التخاطب مع جمهورنا على موقعنا نفسه، من خلال أصحاب المقال نفسه؟

تعدّ تجربة Swissinfo نموذجية في هذا الصّدد، حيث لا تزال تفتح لجمهورها باب التفاعل الفوري مع عدد كبير من مقالاتها مباشرة على الموقع في خدمة “شارك في الحوار”. وباعتبار الشبكة تنشر بـ10 لغات مختلفة، فإنّ النقاشات التي تديرها عبر موقعها الإلكتروني، ويكون الصحفيون.ات طرفًا فيها، تسمح بتواصل أفضل وأوسع مع الجمهور. فبينما تتوجّه صفحة الشبكة بالعربية للناطقين باللغة العربية وحدها، مثلًا، يجمع الموقع ناطقين بعدّة لغات في مكان واحد، أين يكون التعرّف على وجهات نظر شعوب أخرى وتجاربها وآراء الأشخاص من ذوي خلفيات متنوّعة تجربة مثرية للجميع.

وهنا، ليس بالضرورة أن نطوّر منصّات مراسلة فورية للمراسلة ولا روبوتات دردشة ستكون مكلفة وتتطلّب فريقًا مجنّدًا لإدارتها، ولكن يكفي أن نعود إلى مخاطبة جمهورنا في “ملعبنا” وداخل “عريننا” لنخلق هذه الصّلة معه مجدّدًا.

ثالثًا، ثقافة الرّجل الواحد أو المرأة الواحدة لا تقنع الجيل الجديد

لا يخفى على أحد أنّ كثيرًا من المؤسسات، خاصّة الأقدم منها، تقوم على ثقافة التسويق للرجل الواحد أو المرأة الواحدة. ويكون هذا عادة مدير الشركة أو مديرتها. في حين يبقى الموظّفون مجهولين لعموم الجمهور غائبين (أو مغيّبين) عن قنوات المؤسسة الاتّصالية.

أعرف مديرًا لإحدى المنظمات كان يمنع نشر أيّ صور للموظفين.ات على حسابات المؤسسة. ليس بطلب منهم أو حفاظًا على خصوصياتهم، بل لأنه يريد أن تنشر صوره هو فقط! وإذا كان هذا المثال صعب التصديق، فخذ هذا، من عالم الصحافة نفسه. تخيّل أنّك صحفي، وأنّك أنجزت تحقيقًا استقصائيًا، لكن مديرك هو من سيذهب لوسائل الإعلام للحديث عن التحقيق. ليس بطلب منك، ولا حفاظًا على هويتك، ولا لأنّك عاجز لسبب صحّي أو نفسي أو لغويّ عن الحديث في تلك المناسبة. بل لأنّه المدير!

الجيل الجديد من الجمهور يهمّه أن يعرف وجوه موظفي العلامة التجارية -هنا المؤسسة الإعلامية. كيف يفكّرون، كيف ينجزون موادّهم، كيف يتفاعلون مع المستجدّات، ما هي الصعوبات التي تواجههم في عملهم. يريد الجمهور أن يرى أكثر من شخص واحد في حسابات التواصل الاجتماعي المختلفة، وأن يسمع أصوات أكثر من شخص واحد في الندوات الإلكترونية والمؤتمرات.

يتضمّن تنشيط الموظّفين مجموعة متنوّعة من الأدوات على غرار التدريب المستمرّ، وتشريكهم في نشر المحتوى وإنشاء مدوّنات ومقاطع فيديو للتعريف أكثر بالعلامة التجارية للمؤسسة.

نقلًا عن شبكة الصحفيين الدوليين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.