ماذا يحدث حين يتحول الصحفي إلى “قديس” يحدد الخير والشر وفق قناعاته وانحيازاته؟
ينزلق الكثير من الصحفيين – خصوصاً من يقدّمون محتوى يحتكم إلى الرأي أكثر منه إلى المعلومات – إلى بناء المحتوى بطريقة غير مهنية تُحوّل ما يقدمّونه إلى موقف حازم ومنحاز مغلّف بغلاف الصحافة، وقد يصل الحال في قضايا معينة إلى ما يشبه معركة بين “الخير” الذي يدافع عنه الصحفي و”الشر” الذي يهاجمه.
يعتقد الصحفي أنه بتقديم المحتوى الذي يتضمّن الحجج التي تدخَل في تشكيلها من خلال المغالطات المنطقية والتشويه في المعلومات التي يعرضها إما عبر الاجتزاء أو عبر وضعها في غير سياقها، أنه قام بواجبه الذي تفرضه عليه أخلاقيات المهنة باعتبار أن ما قدّمه لم يخرج عن إطار الحقائق.
يتخيل الصحفي أنه قدّم الحقيقة، لكن في الواقع يكون ما قدّمه عبارة عن مزيج من التحريض والشيطنة والتخويف من الآخر، لا مكان له في الصحافة المحترفة.
يجتهد الصحفي في تلك الحالة لا لتقديم الحقائق للجمهور كي يصلوا بأنفسهم لاستنتاجات تساعدهم على اتخاذ قراراتهم في قضية معينة، إنما يقدّم محاكمة تظهر كأنها متماسكة لإدانة الرأي أو الموقف الآخر، ولولا أن الجمهور ليس معنيّاً بتفكيك تلك الرواية لاكتشفوا أنها محاكمة مزيّفة.
يرى الفيلسوف الأمريكي جون ديوي أن الأحكام عبارة عن أفعال لها عواقب، وقد تكون هذه العواقب وخيمة في بعض الأحيان، لذلك فهو يعتبر أن الحقيقة هي ما سيحدث لاحقاً لتصرّفاتنا وكيف ستنعكس سلباً أو إيجاباً، هل ستجلب الضرر أم المنفعة، وهو ما لا يفكّر فيه الصحفيون اليوم.
إلى أي مدى يمكن للعواقب أن تكون سيئة خاصة وأن الصحفيين يسارعون إلى تبني الأحكام المطلقة مهما كان الثمن. في الواقع يمكنها أن تكون مميتة.
في عام 2022، قام متطرف سويدي بتنفيذ هجوم على حدث سياسي راح ضحيته المنسقة الوطنية لقضايا الطب النفسي في السويد “إنج ماري ويزيلجرن”، وكان يخطط لقتل زعيمة حزب الوسط أني لوف، بعد أن تعرّضت لهجمة عنيفة على مواقع التواصل من طرف صحفيين يمينيين بسبب مواقفها المناهضة للعنصرية.
ذات الأحداث تتكرر في بلدان عدّة مع ضحايا جدد، ويكون الصحفيون جزءاً من الحدث سواء بالانخراط في حملات التشويه والشيطنة، أو في عدم التصدّي لها بشكلٍ فعّال، دون النظر إلى عواقب التواطؤ مع مثل هذه الحملات أو التخاذل في الدفاع عن حقوق الناس.
مجلة الصحافة