الدكتور منذر الحوارات
لا يمكن لعين المراقب العادي أن تخطيء حجم الزخم في التحركات السياسية في المنطقة العربية والاقليمية خلال الفترة الاخيرة فقد حفلت ضفاف البحر الاحمر بالعديد من القمم ابتداءً بقمة شرم الشيخ حيث عقدت قمة بين مصر وإسرائيل ودولة الإمارات العربية مروراً بمدينة العقبة التي ضم الاجتماع فيها أطراف مشروع شام الجديد مصر والأردن والعراق بالاضافة الى دولة الامارات العربية، ولكن القمة الأكثر لفتاً للإنتباه والتي قد تشكل تحولًا مهماً في منظومة العلاقات على مستوى المنطقة ككل هي القمة التي عُقدت في صحراء النقب والتي شاركت فيها ست دول من بينها أربع دول عربية هي مصر والمغرب والبحرين ودولة الامارات العربية بالاضافة الى اسرائيل وأمريكا، ربما يمكن للمرء أن يتخيل بسهولة القمتين في الشرم والعقبة، لكن قمة النقب تبدو صعبة على الفهم فهي تأتي بعد ٥٥ عاماً من اللاءات الثلاثة في الخرطوم لا مفاوضات، لا اعتراف، لا سلام، وتجاوزتها جميعها بل تجاوزت في نفس تاريخ إطلاق المبادرة العربية التي ربطت أي تقارب مع دولة الاحتلال بحل عادل للقضية الفلسطينية، لكن السؤال الذي يؤرق السائل كيف حدثت القمة وما هي طبيعة الظروف التي قادت إليها ؟
بدون شك ان عقد هذه القمة يشكل انتصاراً كبيراً لإسرائيل، فهي تتحول من طرف منبوذ الى شريك أساسي في رسم مستقبل المنطقة، وباعتراف ومشاركة أعداء الأمس فكيف نجحت في ذلك ؟ بدون شك أن دولة الاحتلال استطاعت أن تحول التحديات التي تواجهها الى فرص حقيقية تستثمرها لتعزيز نفوذها ومكانتها في المنطقة، فالخطر الأهم بالنسبة لها هو أن يتم حلّ القضية الفلسطينية على أسس القانون الدولي ووفق قرارات الشرعية الدولية، فحل كهذا بالنسبة لهم يعني خطراً محدقاً لذلك عملت منذ البداية على تجاوزهكذا حلول، ولذلك تقوم بالقفز فوق القضية الفلسطينية نحو الاقليم وذلك بطرح تصورات لا تضع القضية الفلسطينية وحلها ضمن الأولويات وهي نجحت في ذلك من خلال تضخيم المخاطر الناجمة عن بعض القضايا الاقليمية، فمثلاً خطر البرنامج النووي الايراني وقرب التوصل الى اتفاق وإن كان خطراً مهماً بالنسبة لدول الخليج العربي لا يمكن إنكاره، لكن اسرائيل تمكنت من تضخيمه، بل ووضعت نفسها كمكون أساسي لا يمكن الاستغناء عنه في امتصاص وتقليل خطره، لذلك طرحت نفسها كشريك في اي نظام امني مستقبلي يتصدى لهذا الخطر، وهذا ما بدا واضحاً في كلام يائير لابيد حينما اشار الى ان ما يتم الاتفاق عليه هو هيكل إقليمي جديد لردع الاعداء المشتركين وهو يعني هنا ايران، وهم ايضاً استطاعوا ان يضخموا انكماش الاهتمام الامريكي بالمنطقة ويصعدوه الى مستوى الخطر الاستراتيجي بل ربما الوجودي لذلك يجب التصدي له من خلال اقامة تحالف أمني عسكري يملأ الفراغ الناتج عنه وهي تطرح نفسها كوسيط لتجسير الهوة بين بعض الدول العربية والادارة الامريكية بسبب حالة الجفاء الحاصلة بسبب بعض القضايا العالقة .
وهي ايضاً تنجح في تحويل المخاوف من التداعيات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، سواء على صعيد فراغ القوة الحاصل او فيما يتعلق بأزمة الطاقة، وكذلك الازمات الغذائية التي قد تنجم، وهي تطرح لأجل ذلك مشاريع عابرة للدول وربما الإقليم فيما يخص الطاقة والغذاء بحيث تكون هي حجر الزاوية بكل خطواته المستقبلية، اما بالنسبة للأمن فكما قلت هي تطرح نظاماً امنياً تكون هي قاعدة ارتكازه الأساسية بحيث لا يمكن الاستغناء عنها في أي تصور إقليمي مستقبلي، عدا عن انها دغدغت المخاوف الامنية الداخلية والخارجية لبعض الدول وقدمت نفسها بما تمتلكه من تقنيات عسكرية كحلول لمشاكل هذه الدول، اذاً هذه هي دوافع القمة ومبرراتها لكن هل يمكن لها ان تنجح في وضع إطار مستقبلي لنظام إقليمي بالقفز فوق القضية الفلسطينية، وبغياب عناصر مهمة كالاردن مثلاً الذي رأى أن أي بوصلة لتوافق إقليمي مستقبلي يجب أن تبدأ من حل عادل للقضية الفلسطينية، لذلك زامن الملك عبدالله الثاني زيارته لرام الله بتوقيت القمة في رسالة واضحة أن أي توافق إقليمي يجب أن يبدأ من هنا، وكذلك غياب المملكة العربية السعودية التي تشترط أي تقدم في علاقاتها مع دولة الاحتلال بتحقيق حل يضمن تطبيق بنود المبادرة العربية، وايضاً فكرة القفز فوق الفلسطينيين قد يؤدي الى حالة من اليأس لديهم يمكن لها ان تفجر الوضع برمته، إذاً من المبكر التكهن بنتائج استراتيجية لمثل هكذا قمة سواء على صعيد نظام امني او عسكري او نظام اقليمي جديد فالغائبون عن القمة اكثر قوةً من ان يتم تجاهلهم وبناء منظومة جديدة بعيداً عنهم، لكن لا يمكن إنكار أن أشد المتفائلون في دولة الاحتلال لم يكن يحلم او يتصور في أن يحصل اجتماع كما الذي حدث في النقب وبدون ان تقدم اي تنازل يذكر.