منذ منتصف أبريل/نيسان، تتقاتل “القوات المسلحة السودانية” والمجموعة شبه العسكرية “قوات الدعم السريع”، للسيطرة على البلاد، ويأتي هذا الصراع بعد الانقلاب العسكري في 2021، الذي أطاح بالحكومة الانتقالية المدنية ووضع السودان تحت حكم مجلس مكون من الجنرالات، من بينهم اثنان هما مركز الأزمات الحالية: قائد القوات المسلحة السودانية عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”.
واندلع العنف الحالي بعد انهيار المفاوضات بين القائدين أثناء العودة المتوقعة للحكم المدني، مما أدى إلى مقتل أكثر من 400 مدني وإصابة الآلاف، مع احتمالية أن تكون الأرقام الفعلية أعلى من ذلك بكثير. كما هرب نحو 73 ألف شخص من السودان إلى الدول المجاورة وتم إجلاء الدبلوماسيين ومواطني الدول الأخرى من بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية. كما أوقفت أكثر من 50 مستشفى في الخرطوم والولايات المجاورة أعمالها، ولا يزال بعض السكان المحليين عالقين في منازلهم، وعاجزين عن الوصول إلى المرافق الأساسية مثل المياه والطعام والكهرباء.
وقال منسق المشاريع في منظمة أطباء بلا حدود، سايروس باي، لقناة الجزيرة: “لا يمكن أن يتحرك أي شيء داخل السودان في الوقت الحالي، إذ أُغلقت جميع المطارات منذ بدء القتال، وهناك قتال في الشوارع”، مضيفًا: “إذا لم يتغير الوضع ولم تفتح إمكانية الوصول للمساعدات الإنسانية، فسنواجه المزيد من الخسائر في الأرواح”.
ووافق الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مؤخرًا على اتفاق بوقف لإطلاق النار ما بين 4 و11 مايو/أيار، كما يجريان مباحثات لإحلال السلام.
وعلى الرغم من المفاوضات، لا يزال العنف مستمرًا في أنحاء البلاد. وفي إطار اضطرارهم للتعامل مع الأزمة، يستخدم السكان السودانيون منصات التواصل الاجتماعي لحشد المعلومات عن خيارات الإجلاء والمساعدات الإنسانية. ونقدم إليكم ما يحتاج الصحفيون معرفته عن كيفية مساعدة هذا الحشد على منصات التواصل الاجتماعي للمواطنين على الوصول لبر الأمان.
منصات التواصل الاجتماعي للإنقاذ
يستخدم السودانيون هاشتاج “#حوجة_الخرطوم” على تويتر؛ لمشاركة المساعدات والعثور عليها في العاصمة الخرطوم حيث يتمركز القتال، وتدور الكثير من الطلبات حول الطعام، أو المأوى، أو وسائل المواصلات للفرار من المدينة.
وقالت الناشطة السودانية جيا الحسن: “بإمكان أي شخص يرغب في الخروج من الخرطوم السؤال عن الطرق ومحطات السفر الآمنة التي تعمل، ويمكنه أن يجد شخصًا على تويتر ذاهبًا إلى المنطقة نفسها”، موضحة “تم تفعيل هاشتاج على تويتر عن احتياجات كل منطقة”.
بينما أطلق السودانيون الذين يعيشون في المهجر، هاشتاج “#KeepEyesOnSudan”؛ لمشاركة التحديثات بشأن الصراع، والمعلومات عن خيارات السكن والرعاية الطبية للنازحين.
كما أنشأت شبكة الأشخاص الذين يعيشون في المهجر حملة لجمع التبرعات عبر أحد المواقع الإلكترونية الذي يجمع معلومات يمكن أن يستخدمها الناس للحصول على الأمن والمساعدات. وتذهب بعض التبرعات إلى “جمعية الأطباء السودانيين الأميركيين” التي تدعم المدنيين على الأرض. وقالت ياسمين عبد المجيد، وهي عضوة في المهجر السوداني الذي يقود حملة #KeepEyesOnSudan: “ما يحدث هو إثبات قوي للشبكة المدنية في السودان”.
ما ينبغي على الصحفيين معرفته
كما تساعد منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة الهاشتاجات، الصحفيين في العثور على مصادر موجودة على الأرض لإجراء المقابلات معهم عن الأزمة.
وعلى سبيل المثال، كتب مراسل شؤون النزاعات فيHumAngle ، مهدي جربا، على فيسبوك للمساعدة في حشد المصادر لقصة كتبها عن الطلاب النيجيريين العالقين في البلاد. وقال جربا: “مكنتني منصات التواصل الاجتماعي من الحصول على صورة حية للأزمة المستمرة، وكان جميع الأشخاص الذين حاورتهم من هذه المنصات”.
وبينما يجمعون هذه المعلومات – وخاصة الفيديوهات والصور – من منصات التواصل الاجتماعي، سيحتاج الصحفيون للاجتهاد في التحقق من صحتها لتجنب نشر الدعاية أو المعلومات المضللة. وعلّق مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” في أفريقيا، ديكلان والش: “إنها تشكل نفعًا وتحديًا في الوقت نفسه”، موضحًا “بالنسبة لي كمراسل، بإمكان هذه الفيديوهات أن تكون طريقة رائعة للحصول على لمحة عمّا يحدث، ولكن هناك احتمالية كبيرة لوجود المعلومات المضللة أو المعلومات الخاطئة أو الدعاية”.
في الواقع، غرّد حساب موثق من خدمة Twitter Blue، زعم أنّه يُمثل قوات الدعم السريع، منذ أسابيع قليلة، تغريدة مزيفة عن وفاة حميدتي جرّاء إصابات تعرض لها خلال الأزمات المستمرة، وحصدت هذه التغريدة أكثر من 1.7 مليون مشاهدة قبل أن يُزيلها تويتر.
قطع الإنترنت: تهديد لهذه الجهود
وبينما تستمر جهود الحشد الذي يقودها المواطنون على منصات التواصل الاجتماعي، يلوح خطر قطع الإنترنت في الأفق. وقال إيزيك ماتر، مدير الأبحاث فيNetBlocks ، وهي منظمة عالمية تراقب حرية الإنترنت: “لقد أنقذ الاتصال بالإنترنت حياة كثيرين منذ بدء الصراع، وسيُصعب غيابه على السكان تجنب الخطر والبقاء في أمان”.
وتأثر شخص من كل أربعة أفارقة بقطع الإنترنت في 2022، وكان سكان السودان من بين الأكثر تأثرًا في القارة. وفي 16 أبريل/نيسان، حظرت شركة الاتصالات MTN Sudan، الاتصال بالإنترنت في البلاد استجابة لأوامر من المنظم الحكومي للاتصالات. كما سجلت الشركة المحلية Canar Telecom، انقطاعات جزئية في اليوم الخامس من الصراع.
وحذرت منظمة NetBlocks، في 23 أبريل/نيسان من أنّ “بيانات الشبكة في الوقت الفعلي تُظهر انهيارًا شبه كامل للاتصال بالإنترنت في السودان، حيث يشكل مستوى الاتصال الوطني الآن نسبة 2٪ من المستويات العادية”. وتقول المنظمة إنّ انقطاع الكهرباء، وعجز المدنيين عن الوصول إلى البنزين لتشغيل المولدات الاحتياطية، وتدمير المراكز السكانية، يساهم أيضًا في تقليل الاتصال بالإنترنت. ولحسن الحظ أنّ الاتصال بالإنترنت عادَ من MTN، كما أنّها تقدم مكالمات هاتفية وإمكانية تشغيل شبكة الإنترنت على الهاتف مجانًا لمستخدمي واتسآب.
وفي النهاية، قد يُكون قطع الإنترنت في السودان مدمرًا لسكان البلاد الذين يسعون للحصول على المساعدة، وتتفاقم العواقب فقط في ضوء إيقاف العديد من المنظمات الإنسانية في البلاد لأعمالها.