في أي تسوية أمريكية-إيرانيةحدود التنازلات المحتملة

د. نبيل العتوم
أكاديمي واعلامي متخصص بالشأن الإيراني

المقدمة:
أعلن وزير الخارجية أمير عبداللهيان في 11 مارس2022 أن عرض إيران إجراء تبادل كامل وغير مشروط للسجناء مع الولايات المتحدة لا يتطلب مفاوضات أو وساطة دولة ثالثة. ونفت وكالة تسنيم الإيرانية، في اليوم ذاته، أن تكون إشادة المرشد الإيراني علي خامنئي، في تغريدة نشرها يوم 8 فبراير 2022، بما اعتبره “شجاعة” الحسن بن علي حين خضع للصلح مع معاوية بن أبي سفيان في “سبيل المصلحة الحقيقية، وصون الإسلام وحماية القرآن”، تدل على رغبة المرشد في عقد اتفاق سلام مع الولايات المتحدة.
يبحث هذا المقال أبعاد التراجع الذي تعكسه هذه التصريحات عن المؤشرات التي تزايدت قبل ذلك بأيام قليلة بشأن استعداد إيران لخوض “مفاوضات مباشرة” مع واشنطن. كما سيحاول بيان حدود التنازلات المحتملة التي يمكن للطرفين الإيراني والأمريكي القبول بها في إطار أي جهود للتهدئة أو التوصل غلى تسوية بينهما.

يمثل طرح وزير الخارجية الإيرانية ، لإجراء تبادل للسجناء مع واشنطن في ظل خيار “اللاتفاوض واللاوساطة”، تراجعا عن إعلان وزير الخارجية نفسه ، بحسب ما نقل عنه موقع الحكومة الإيرانية “http://dolat.ir/” قبل يوم واحد، الأحد 10 مارس 2022، أن إيران أبدت استعدادها لـ “مناقشة” إطلاق سراح جميع السجناء دون شروط مسبقة ودون الحاجة لوساطة دولة ثالثة.
مثل إبداء عبداللهيان استعداد إيران للتفاوض المباشر مع واشنطن، حتى بشأن تبادل السجناء، تراجعا عن رفض المرشد الإيراني الصريح والمتكرر لإجراء أي مفاوضات مباشرة على أي مستوى مع الولايات المتحدة.
يمكن القول أن استهدف قصر عبداللهيان عرض التفاوض المقترح بتبادل كامل للسجناء فقط، تجنب لإحراج النظام وإبراز تزايد ضعفه وانكشافه. لكن تزامن هذا العرض مع عدة تطورات شهدتها الأسابيع القليلة التي سبقته، ومثلت مؤشرات تعزز الافتراض بأن إيران ربما كانت تسعى من خلال هذا المقترح لفتح المجال أمام تفاوض على تهدئة تشمل طائفة واسعة من القضايا. تتمثل أبرز هذه التطورات في:
اعتبار المرشد خامنئي في تغريدته التي أشاد فيها بشجاعة الحسن بن علي حين خضع للصلح مع معاوية، أن هذا النهج يمثل “توجيها للأجيال القادمة”. واعتبر الكثير من المراقبين هذه التغريدة إعادة طرح لمفهوم “المرونة البطولية” الذي طرحه خامنئي عام 2013 تبريرا لقبول التفاوض مع إدارة الرئيس الأمريكي براك أوباما في ذلك الحين.
دعوة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، خلال اتصال هاتفي يوم 5 يناير ، إلى بذل الجهود لخفض التوتر في المنطقة، والعمل على رفع العقوبات الأمريكية عن إيران. مثل هذا الاتصال، الأول من نوعه منذ زيارة الرئيس السابق روحاني إلى طوكيو في ديسمبر 2019، مؤشرا إلى مسعى إيراني جديد لإطلاق وساطة يابانية جديدة مع واشنطن.
نزوع إيران للتهدئة مع واشنطن في عدة ملفات إقليمية، وتحديدا من خلال القبول بتهدئة سياسية في العراق ، وتأكيد العديد من المسؤولين الإيرانيين السياسيين والعسكريين عدم سعي طهران لتصعيد العسكريمباشر في مياه الخليج العربي وخليج عمان ومضيق هرمز وعدم تحرش أي زوراق إيرانية بالسفن الحربية الأمريكية في المنطقة.
تجنب إيران القيام بأي إجراءات تصعيد عسكري مباشر ضد إسرائيل رغم تصاعد الحملة الجوية الإسرائيلية ضد الوجود العسكري الإيراني في سوريا.
تبرز عدة عوامل ترجح سعي إيران للبحث عن تهدئة مع الولايات المتحدة في هذه المرحلة على الأقل. يتمثل أهم هذه العوامل في:
الخشية الإيرانية الواضحة في تصريحات العديد من المسؤولين الإيرانيين، من نجاح واشنطن في تمرير قرار أممي بتمديد قيود التسلح المفروضة على إيران، أو نجاحها في الخيار البديل والأكثر خطورة وهو تفعيل آلية الزناد التي تمهد لعودة كامل العقوبات الأممية التي كانت مفروضة على إيران قبل اتفاق 2015 النووي.
تجنب انهيار الاتفاق النووي بشكل كامل ما سيفرض على إيران التفاوض على اتفاق جديد، غير محدد المعالم والنطاق، في ظروف توازن قوى غير مواتية بالنسبة لإيران.
الاستنزاف المتزايد للاحتياطيات الأجنبية المتاحة لدى إيران في ظل الأعباء المتزايدة المترتبة عى تفشي فيروس كورونا. وقبل تفشي هذا الفيروس توقع معهد التمويل الدولي، في تقرير أصدره في منتصف يناير 2020، أن تتراجع احتياطيات إيران الأجنبية إلى نحو 73 مليار دولار بحلول مارس 2020، بخسارة نحو 40 مليار دولار خلال عامين، فيما قدر صندوق النقد الدولي تلك الاحتياطيات بنحو 70 مليار دولار فقط بحلول مارس 2020.
وبحسب تقرير معهد التمويل الدولي الصادر في يناير 2020، فإن تلك الاحتياطيات، ودون حساب أعباء مواجهة تفشي فيروس كورونا، فإن تلك الاحتياطيات قد تتراجع غلى نحو 20 مليار دولار خلال عامين فقط بحلول مارس 2023، إذا استمرت العقوبات الأمريكية ذلك التاريخ. ولا يكفي هذا المبلغ إلا لتمويل واردات إيران من السلع الأساسية لمدة عام واحد فقط، والتي بلغت نحو 15.5 مليار دولار في العام المالي 2019-2020.
وفي ظل تفشي فيروس كورونا يرجح تسارع وتيرة تآكل احتياطيات إيران الأجنبية وبلوغها معدلات أقل من ذلك بكثير بحلول هذا التاريخ.
تجنب تآكل قدرة إيران على انتهاج سياسة خارجية نشطة، والحفاظ على شبكة نفوذها الإقليمية، خاصة مع تراجع قدرتها على تمويل وكلائها الإقليميين، أو تمويل سياسة تسلح طموحة وفارقة حتى في حال تم رفع قيود التسلح الأممية على إيران.
تجنب الاضطرار إلى تصعيد عسكري قد يفضي إلى مواجهة واسعة تبدو إيران شديدة الحرص على تجنبها منذ اغتيال قاسم سليماني، وصولا إلى تهديد الادارات الأمريكية المتعاقبة عقب تحرش عدد من الزوراق الإيرانية بعدد من سفن البحرية الأمريكية.
تيسير حصول إيران على قرض الخمسة مليارات دولار الذي تقدمت بطلبه إلى صندوق النقد الدولي.
على الجانب المقابل، بقدر ما يتوافر عدد من العوامل التي ترجح عدم استجابة واشنطن لعرض التفاوض المباشر هذا، فإن هناك عاملين يمكن أن يحفزا الولايات المتحدة للقبول بتهدئة حتى لو كانت مؤقتة مع إيران، يتمثل أبرز هذه العوام

إيراند. نبيل العتوم
Comments (0)
Add Comment