بينما تحدث الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، خلال حملته لانتخابات الرئاسة، عن عودة طوعية للسوريين إلى بلادهم، يواجه الكثير منهم الآن موجة ترحيل قسري طالت عشرات الآلاف، وفق تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقال المرصد السوري، الجمعة، إن عمليات الترحيل القسري للسوريين في تركيا طالت زهاء 30 ألف شخص منذ مطلع السنة الجارية.
وجاء في التقرير “تصاعدت عمليات الترحيل بشكل ملحوظ بعد إعادة انتخاب رجب طيب إردوغان رئيساً للجمهورية، بعدما كان اللاجئون يتوقعون بأن الحملة الإعلامية الممنهجة ضدهم ستتلاشى مع وجود إردوغان بالحكم”.
يقول المحلل السياسي التركي والخبير في العلاقات الدولية، مهند حافظ أوغلو، إن العدد الذي كشف عنه المرصد ليس رسميا “لكنه غير بعيد عن الواقع”.
وفي حديث لموقع الحرة، أشار حافظ أوغلو إلى أن هذه الحملة تدخل في إطار مواجهة تركيا لمشكلة المهاجرين غير الشرعيين، الذين يوجدون من ضمن المُرحّلين “تماما كما تواجهه دول أوروبية أخرى”.
ترحيل دون استثناء
لكن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، يرى بأن العملية الجارية الآن في مختلف مدن تركيا الرئيسية، حيث يتواجد سوريون بكثافة، عبارة عن عمليات ترحيل قسري حتى لمن يحمل وثائق تثبت تواجده بطريقة شرعية على الأراضي التركية.
وفي اتصال مع موقع الحرة، شدد عبد الرحمن، على أن الحملة تدخل في إطار سعي إردوغان الدفع بحزبه، العدالة والتنمية للفوز بالانتخابات المحلية المقررة في 2024.
حافظ أوغلو يرد على ذلك بالقول إن الحملة التي تستهدف اللاجئين لا علاقة لها بأي انتخابات بل هي حملة تصُب في منحى مواجهة الوجود غير الشرعي لعدد من السوريين على الأراضي التركية.
وقال “ليست هذه حاجة انتخابية، بقدر ما هي موجة عالمية لمواجهة الهجرة غير الشرعية”.
ولم ينكر الرجل حدوث بعض التجاوزات خلال هذه الحملة، حيث تم ترحيل عدد من السوريين ممن يحملون وثائق تثبت تواجدهم بطريقة شرعية.
يقول حافظ أوغلو في الصدد “صحيح أن بعض التجاوزات حدثت على مستوى بعض عناصر الشرطة، لكن هناك مساع لمعاقبة كل من تعدى اللوائح بالخصوص”.
يرى عبد الرحمن بأن عمليات الترحيل التي باشرتها تركيا بحجة أن هناك مناطق آمنة في سوريا، خاضعة لها “غير صحيح”، حيث يؤكد تقرير المرصد على أن هناك حالة من الفوضى والفلتان الأمني ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها في الشمال السوري.
وركز التقرير على أنه ليس هناك “بيئة مناسبة لعودة اللاجئين السوريين وسط تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية وغياب شبه تام لمعظم مقومات الحياة ضمن المخيمات والمجمعات السكنية التي تأوي آلاف النازحين والمهجرين”.
وتسيطر تركيا على شريط حدودي واسع في شمال سوريا، يضم عددا من المدن الرئيسية.
وتنتشر قواتها في نقاط مراقبة عدة في محافظتي حلب (شمال) وإدلب (شمال غرب)، حيث تسيطر فصائل مسلحة متطرفة، وأخرى موالية لها على مناطق واسعة.
ومنذ العام 2016، شنّت أنقرة مع فصائل سورية موالية لها ثلاث عمليات عسكرية واسعة النطاق في شمال سوريا، ضد المقاتلين الأكراد بشكل رئيسي وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وأتاحت لها تلك العمليات، السيطرة على منطقة حدودية واسعة.
وإلى جانب رعايتها لمجالس محلية أنشأتها لإدارة مناطق نفوذها في الشمال السوري والتواجد العسكري لقواتها، ضاعفت تركيا استثماراتها في قطاعات عدة مثل الصحة والتعليم.
وتضم هذه المناطق مكاتب بريد واتصالات وتحويل أموال تركية ومدارس تعلّم باللغة التركية.
وكانت أنقرة بدأت أيضا في بناء وحدات سكنية جديدة في الشمال السوري، حيث ستعيد اللاجئين.
عودة طوعية؟
تعليقا على ذلك، يرى مدير المرصد السوري أن تركيا بصدد مضاعفة معاناة السوريين من خلال ما وصفه بـ”سياسة التغيير الديمغرافي” للسوريين.
وقال متسائلا “كيف يمكن لسوري من الشام أن يتأقلم في ناحية أخرى لا يعرفها وحيث لا توجد أي مقومات للحياة؟”
ثم تابع “ربما تبحث تركيا على بسط نفوذ مستقبلي هناك، حيث تريد ضمان ولاء شعبي لها، لكن ذلك غير ممكن، حيث أن الترحيل قسري وليس طوعي”.
يأتي بناء الوحدات السكنية في الشمال السوري، في إطار مشروع “العودة الطوعية” للسوريين في تركيا البالغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين.
بالخصوص، شدد عبد الرحمن، على أن الحديث عن “عودة طوعية” ليس له أي أساس من الصحة، وقال “لا أحد يعود عن طواعية نحو المجهول” في إشارة إلى غياب مقومات الحياة في المناطق التي تريد أنقرة ترحيل السوريين إليها.
ويثير وجود اللاجئين السوريين في تركيا سجالا محتدما في كل الانتخابات، مع ارتفاع النبرة العدائية تجاههم.
في الصدد يقول المحلل التركي، إن اللاجئين كانوا ورقة انتخابية في يد المعارضة فقط، “لأنهم (المعارضة) لم يكونوا يملكون أي مشروع استراتيجي وطني” على حد وصفه.
وقال “هناك احتقان داخلي بخصوص ملف اللاجئين، خصوصا لدى القوميين الذين لا يريدون أن يكون هناك انسجام بين اللاجئين وبين المجتمع التركي”.
يذكر أن إردوغان أعلن في مايو الماضي، أن بلاده تعتزم بدعم من منظمات إغاثية دولية بناء مئتي ألف وحدة سكنية في 13 موقعا في سوريا، لإعادة مليون لاجئ سوري.
ومن غير الواضح حتى الآن المسار الزمني المتعلق بخطة “العودة” التي تحدث عنها الرئيس التركي وحيثياتها والآليات التي يتم العمل من خلالها، وكذلك الأمر بالنسبة للحملة التي بدأتها السلطات، واستهدفت آلاف “المهاجرين غير الشرعيين”، حسب تصريحات وزير الداخلية، علي يري كايا.
من هم المستهدفون؟
حافظ أوغلو يؤكد بأن دائرة الهجرة كشفت أن المستهدفين في هذه المرحلة هم ثلاثة فئات رئيسية وهي فئة الذين دخلوا تركيا بطريقة غير شرعية، وأولئك الذين انتهت صلاحية بقائهم بطريقة شرعية، وآخرون غيروا ولاية إقامتهم دون الحصول على وثائق رسمية في الولاية حيث يقطنون.
أما عن المسار الزمني، فيشير الرجل إلى أن المرحلة الأولى من هذه العملية قد شارفت على الانتهاء، قائلا “اعتبارا من هذا الأسبوع سوف تصل العملية إلى مرحلتها النهائية”.
واستدرك الرجل معبرا عن خشيته في أن توصم بلاده بكونها عنصرية بسبب هذا الملف قائلا “خوفي أن يعتبرنا العالم عنصريين بسبب هذا الملف الشائك” مشيرا إلى أن هناك ظلما وقع على بعض السوريين ممن رحلوا رغم أن لديهم وثائق تتيح لهم البقاء، وقال إن هناك وعودا بإعادتهم لتركيا طالما أن وضعهم كان قانونيا.
في المقابل، يشير تقرير المرصد السوري إلى أن عمليات الترحيل “تتم بشكل عشوائي جداً ولا يسمح للمرحل حتى بإخبار عائلته وقد يكون هو المعيل لها”.
ويتم الترحيل إما إلى إدلب وحلب أو إلى الرقة والحسكة عبر المعابر الحدودية، حيث رصد المرصد السوري حالات كثيرة حيث “يُرحّل ابن إدلب وحلب إلى الرقة والحسكة والعكس صحيح، مما يجبرهم على دفع مبالغ مالية للذهاب إلى مناطقهم في سورية”.
وبالمناسبة، جدد المرصد السوري لحقوق الإنسان، مطالبته أنقرة بإيقاف عمليات الترحيل القسرية للاجئين السوريين “الذين هربوا من ويلات الحرب المستعرة في سوريا وسوء الأوضاع الأمنية والمعيشية بعد تهجير معظمهم من مدنهم وقراهم إثر سيطرة قوات النظام والميليشيات المساندة لها على أجزاء واسعة من البلاد”.