يعتبر مقتل الصحفي صابر نعمان الحيدري يوم الأربعاء بسيارة مفخخة في عدن تذكيرا آخر بالاستهداف المستمر للصحفيين، وخاصة أولئك الذين يغطون الحروب والصراعات، كما يثبت مقتل الحيدري “40 عاماً” الذي يعمل مراسلا لمحطة NHK اليابانية الحكومية، أن الصحافة أصبحت مهنة مميتة.
وتقديراً منها لخطورة الاستهداف المستمر للعاملين في مجال الإعلام، حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الثامنة والستين في عام 2013 ، تاريخ الـ2 تشرين الثاني/ نوفمبر يوماً دولياً لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين؛ وحثت الجمعية العامة للأمم المتحدة جميع الدول على اتخاذ تدابير محددة لمكافحة الإفلات من العقاب.
واحتفاءً بهذا الحدث العام الماضي، أصدرت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، بيانًا كشفت فيه عن إحصائيات مقلقة حول حجم الأخطار التي تهدد الصحفيين. إذ تشير الأرقام إلى مقتل نحو 900 صحفي أثناء تغطيتهم للأخبار في العقد الماضي. منهم مائة وخمسون خلال العامين الماضيين.
وأشارت أزولاي إلى أن الصحفيين لا يقتلون فقط أثناء تغطيتهم للحروب والنزاعات المسلحة. بل يُقتل العديد منهم، بسبب كشفهم الفساد والإتجار غير المشروع في البضائع والأشخاص، أو لتصفية الحسابات بسبب الخلافات السياسية.
وأطلقت اليونسكو دعوة لتعزيز التحقيقات والمحاكمات لوضع حد للإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، كما اقترحت المنظمة مبادئ توجيهية للمدعين العامين الذين يحققون في الجرائم ضد العاملين في مجال الإعلام.
ويأتي مقتل الحيدري في عدن؛ في أعقاب اغتيال الصحفية رشا حرازي في نوفمبر / تشرين الثاني، والتي عملت في القنوات الإخبارية الإماراتية “العين” و “الشرق”. فيما أصيب زوجها المصور محمود العتمي الذي عمل في قناة العربية بدبي والمنفذ الإخباري السعودي الحدث، بجروح خطيرة في الانفجار.
قتل المصور الصحفي المستقل لوكالة فرانس برس نبيل حسن برصاصة خارج منزله في عدن في حزيران / يونيو 2020. ليكون التاسع والأربعين في قائمة الصحفيين والمصورين الذين قتلوا منذ بداية الحرب، بحسب بيان صادر عن نقابة الصحفيين اليمنيين في 3 مايو/ أيار ، اليوم العالمي لحرية الصحافة.
وأعربت النقابة عن غضبها وألمها من اعتقال الحوثيين لأربعة صحفيين هم عبد الخالق عمران وتوفيق المنصوري وأكرم الوليدي وحارث حامد، الذين حكمت عليهم الحركة الموالية لإيران بالإعدام. ومنذ عام 2015، عرّض الخاطفون هؤلاء الصحفيين المحتجزين للتعذيب المستمر، في تجاهل لجميع المطالب المحلية والدولية بالإفراج عنهم.
كما أشارت النقابة إلى أنه منذ عام 2015 ، قام الحوثيون والقاعدة في صنعاء وحضرموت “بإخفاء” الصحفيَيْن وحيد الصوفي ومحمد قايد المقري، وما زالا في عداد المفقودين في ظل ظروف غامضة تفاقم حالة القلق الشديد لمصيرهما.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت النقابة في بيان إلى أنه وبسبب انقطاع المرتبات والأجور عنهم منذ عام 2016 ، يعيش الإعلاميون الحكوميون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في ظروف اقتصادية مروعة، ويضطر كثير منهم للعمل في وظائف لا تتوافق مع مؤهلاتهم. وعلاوة على ذلك، أدى إغلاق عشرات الوسائل الإعلامية إلى فقدان مئات الصحفيين لوظائفهم.
سوريا
وصفت منظمة “مراسلون بلا حدود” في تقريرها الذي أصدرته نهاية العام الماضي سوريا بأنها من أكبر سجون الصحفيين في العالم؛ للعام الثاني على التوالي. واحتلت المرتبة 174 من 180 على مؤشر حرية الصحافة العالمي. ورغم تراجع المعارك وتراجع نفوذ التنظيمات المتطرفة وسيطرتها، لا يزال عمل الصحفيين في سوريا أشبه بالسير في حقل ألغام.
يشير تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أن القوات الحكومية قتلت 709 إعلاميين، بينهم تسعة أجانب ، منذ بداية الصراع. فيما أصيب ما لا يقل عن 1571 إعلاميًا بجروح خلال الحرب ، واعتقل 1183 منهم 427 لا يزال مصيرهم مجهولًا.
ومن الحوادث الرئيسية التي استهدفت الصحفيين الأجانب خلال الصراع في سوريا مقتل الصحفية الأمريكية ماري كولفين والمصور الفرنسي ريمي أوشليك في شباط / فبراير 2012 ، عندما قصف الجيش السوري مبنى كان النشطاء قد حولوه إلى مركز إعلامي في مدينة بابا عمرو المميزة بحمص، وفازت عائلة كولفين بالدعوى المرفوعة ضد الحكومة السورية أمام المحكمة الجزئية الأمريكية لمقاطعة كولومبيا.
كما لعبت التنظيمات المتطرفة المناهضة للأسد دورًا في الجرائم ضد الصحفيين في سوريا، فقبل شهر واحد فقط من اغتيال كولفين، أثبت تحقيق وزارة الدفاع الفرنسية أن صحفي فرانس 2 جيل جاكي قُتل في قصف المتمردين في حمص أثناء زيارته لأحد الأحياء الموالية للحكومة. وتبنت جبهة النصرة الموالية للقاعدة، مقتل مذيع الأخبار السوري محمد السعيد. في عام 2015 .
واغتال تنظيم داعش الصحفي ورئيس تحرير مجلة “حنطة” Hinta الشهرية ناجي الجرف، قبل أيام من رحيله إلى فرنسا في أحد شوارع مدينة غازي عنتاب، بسبب فيلمه “داعش في حلب” الذي وثق فيه الفظائع التي ارتكبها التنظيم.
كما أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن اغتيال الناشطَيْن في جماعة “الرقة تذبح بصمت”، إبراهيم عبد القادر ، وفارس حمادي ، عام 2015 ، وكذلك اغتيال الصحفي السوري زاهر الشرقاط عام 2016.
أوكرانيا
تتعرض اليوم تغطية الصحفيين للغزو الروسي للخطر.
في مارس، أحصت حملة شعار الصحافة ومقرها جنيف ستة صحفيين أجانب قتلوا منذ بداية الحرب في أواخر فبراير. وقالت المنظمة إن ما يقرب من 3000 صحفي يعملون على الأراضي الأوكرانية معرضون للخطر، مضيفة أن العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية أغلقت مكاتبها في أعقاب الهجمات العسكرية.
وأشار البيان إلى إصابة ثمانية صحفيين أجانب في الهجمات الروسية. بالإضافة إلى ذلك، تورطت القوات الروسية في اختطاف صحفيين اثنين.
وأشار تقرير لجنة الانتخابات العامة أيضا إلى مقتل الصحفية الروسية أوكسانا بولينا في 23 آذار / مارس من الموقع الإخباري المستقل “إنسايدر”.
كما قتلت القوات الروسية مدير استوديوهات تايم، برنت رينو خارج كييف، وأصيب زميله خوان أريدوندو بجروح خطيرة. كما قُتل اثنان من طاقم قناة فوكس نيوز، وهما أولكساندرا كوفشينوفا وبيير زاكريفسكي، بينما أصيب المراسل بنجامين هول بجروح خطيرة. بالإضافة إلى ذلك ، لقي المصور الأوكراني يفغيني ساكون مصرعه في أعقاب القصف الروسي لبرج تلفزيوني في كييف.
وفي نهاية الشهر الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مقتل الصحفي الفرنسي فريديريك لوكليرك إمهوف في أوكرانيا أثناء مرافقته لمدنيين في حافلة إنسانية.
يُظهر الاستهداف المستمر للصحفيين ضرورة اتخاذ إجراءات لوقف العداء تجاه الصحافة، والتأكيد على ضرورة قبول التعددية والتنوع وحرية الإعلام.