يعدّ مقتل الصحفية الفلسطينية – الأميركيّة الشهيرة شيرين أبو عاقلة هذا الأسبوع، حادث العنف الأخير الذي يُرتكب بحق الصحفيين/ات في فلسطين. فقد كانت الراحلة التي عملت في تغطية النزاع والحرب لمدّة ثلاثة عقود تغطّي التطورات الميدانية والتوغّل الإسرائيلي في مخيم جنين شمال الضفة الغربية، صباح الأربعاء 11 مايو/أيار 2022 عندما أُصيبت برصاصة برأسها. وتشير تحقيقات إعلامية إلى مسؤولية القوات الإسرائيلية عن مقتل أبو عاقلة.
في مقطع فيديو نشرته قناة الجزيرة، يُمكن سماع دوي إطلاق نار في الثواني الأولى قبل أن يصرخ رجل “شيرين! شيرين! سيارة إسعاف!”. وكشف تشريح الجثة عن حدوث تهتك كامل في الدماغ وعظام الجمجمة، جراء الإصابة برصاصة. كما أصيبَ في ذات الوقت منتج الجزيرة علي السمودي في الكتف، بحسب ما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية.
تقول المُراسلة الفلسطينيّة شذى حناشة التي كانت برفقة شيرين ضمن مجموعة من أربعة صحفيين يغطّون التطورات في جنين خلال مقابلة لها مع الجزيرة: “كانت شجرة تفضل بيني وبين شيرين شجرة وبدأت تتحرك نحوي ثم سقطت فجأة على الأرض بعدما أصابها رصاص القناصة ومع ذلك لم يتوقف الجنود عن إطلاق النار حتى بعد تأكيد إصابتها”.
وتواصل العنف المُلاحق لمقتل شيرين يوم الجمعة في 13 أيار/مايو، عندما هاجمت الشرطة الإسرائيلية الشبان الذين كانوا يحملون نعش الصحفية الراحلة.
من هي شيرين أبو عاقلة؟
ولدت أبو عاقلة في مطلع عام 1971 بمدينة القدس، وفي بداية مشوارها الجامعي درست الهندسة المعمارية ثم اتجهت إلى الصحافة، وحصلت على شهادة البكالوريوس بالإعلام من جامعة اليرموك في الأردن، ثم عادت إلى فلسطين لتعمل في وسائل إعلاميّة عدّة، من بينها إذاعة صوت فلسطين وقناة عمّان الفضائية. وانضمّت شيرين إلى شبكة الجزيرة بعد عام من انطلاقتها وتحديدًا عام 1997، كواحدة من أوّل المراسلين الميدانيين.
عُرفَت أبو عاقلة بـ”الأيقونة” في الصحافة الفلسطينيّة، وقد اشتهرت خلال تغطيتها للانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وتقاريرها عن التوغلات الإسرائيلية في الضفة الغربية عام 2002. وأعدّت تقارير حول الأحداث الكبرى في إسرائيل وفلسطين في السنوات التالية، بما فيها على سبيل المثال لا الحصر: وفاة ياسر عرفات عام 2004، وقرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها إلى القدس عام 2018، والهجمات الإسرائيلية على غزة العام الماضي.
وفي فيديو سبق حادثة قتلها، قالت أبو عاقلة: “اخترت الصحافة كي أكون قريبة من الإنسان، ليس سهلاً ربما أن أُغيَّر الواقع لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم”.[إقرأوا المزيد: تحديات الصحفيات الفلسطينيات والتدخلات المطلوبة في مؤتمرهن السادس]أحداث رافقت الحادثة
تتصاعد الدعوات لإجراء تحقيق شفاف في الحادثة التي أودت بحياة أبو عاقلة. فقد دعا السفير الأميركي لدى إسرائيل وكبار أعضاء الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق شامل في الحادثة. واعتبرت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي أنّ “قتل أحد العاملين في المجال الصحفي الذين يحملون بوضوح شارة الصحافة في إحدى مناطق النزاع هو انتهاك للقانون الدولي”.
في حديثٍ لشبكة الصحفيين الدوليين، يقول المراسل الصحفي محمد عتيق الذي كان في مهمة صحفية في المنطقة التي كانت شيرين تتواجد فيها إنّ الزميلة الراحلة “كانت ترتدي زيّها الصحفي الكامل الذي يميّز هويتها، والرصاصة جاءت بمنطقة أسفل الخوذة مباشرة، بينما أصيب الزميل السمودي في منطقة لا يغطيها الذرع”، معتبرًا أنّ “ما جرى مع الصحفيين في جنين كان استهدافًا مباشرًا عن سبق إصرار”.
ومع رحيل أبو عاقلة، يرتفع عدد الصحفيين الذين قُتلوا في فلسطين منذ العام 2000 إلى أكثر من 40 صحفياً، وهو ما يكشف حجم الخطر الذي يواجهه الصحفيون في غزة والضفة الغربية المحتلة. خلال العام الأخير، وثّقَ المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان 150 اعتداءً على الصحافة منها جرائم إطلاق نار، أدت في إحداها إلى مقتل صحفي، وإصابة 40 آخرين. ورصدَ المركز اعتداءات جسدية، و28 حالة احتجاز واعتقال صحفيين، وتدمير23 مكتب صحفي جراء القصف، و20 حالة إبعاد ومنع القوات الإسرائيلية لصحفيين من التغطية الصحفية.
وهذا هو السياق الذي قُتلت فيه أبو عاقلة والذي يعيه زملاؤها جيدًا، حيثُ يُضيف عتيق أنّ “قمع القوات الإسرائيلية للصحافة ومؤسساتها ليس بالأمر الجديد، ولكنّ الحدث الأخير يؤكد أنه لا حصانة ولا حماية للصحفي الفلسطيني والعدالة المنصوص عليها بكل المواثيق الدولية غائبة عن ملاحقة ومحاسبة القتلة”.
من جهته، علّق مراسل الجزيرة في قطاع غزة، هشام زقوت على الحادثة، وقال لـ”شبكة الصحفيين الدوليين”: “هذه جريمة قتل مفجعة، تخرق القوانين والأعراف الدولية”، مضيفًا أنّ [القوات الإسرائيلية] “تبذل جهودًا حثيثة لمنع الإعلام من أداء رسالته”. على سبيل المثال، خلص تقرير صادر عن لجنة حماية الصحفيين في العام 2021 إلى عدة حالات قامت فيها القوات الإسرائيلية باعتقال وإصابة صحفيين في الضفة الغربية المحتلة وغزة.
وحول المخاطر والتهديدات التي يتعرض لها الصحفيون الفلسطينيون وكيف تعكس حادثة شيرين المخاطر الكبيرة، يتحدث الصحفي سليمان بشارات، ومدير مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، موضحاً لـ “شبكة الصحفيين الدوليين” أنّ “الصحفي الفلسطيني الميداني يعمل ضمن مجموعة من الظروف الضاغطة، وهي بحد ذاتها تشكل عقبات أمام عمله، وفي مقدّمتها تعامل القوات الإسرائيلية مع الطواقم الصحفية الميدانية كأهداف بهدف منع تقدمها لتغطية التطورات، والدليل على ذلك أن غالبية ما تم توثيقه من حالات استهداف للصحفيين كان هناك ما يميز هذه الطواقم من خلال اللباس الخاص بالعمل الصحفي“.