باتت مقاطع الفيديو عبر الشبكة العنكبوتية وبمنصات التواصل الاجتماعي تحديداً، من أكثر الأنشطة شيوعًا للجماهير في جميع أنحاء العالم، في ظل التغيّرات المتلاحقة والمميزات التي يقدّمها الإعلام الرقمي الجديد، خاصة المرتبطة بسهولة الاستخدام وسرعة الانتشار، إضافة إلى التفاعل العالي وحيوية أو ديمومة المحتوى.
ويتوقع موقع Statista أن يرتفع عدد مشاهدي محتوى الفيديو المباشر في الولايات المتحدة إلى 164.6 مليون مشاهد بحلول عام 2024، في حين يأخذ متوسط عدد الساعات التي يقضيها البالغون في مشاهدة التلفزيون اتجاهاً تنازلياً إلى ما دون الـ 3 ساعات يومياً، وفق أحدث الإحصائيات لعام 2022.
واستناداً لذات الموقع، ومن خلال مسحٍ أُجريَ العام المنصرم 2021 للمستهلكين في الولايات المتحدة، فقد أفاد أكثر من سبعة من كل عشرة مشاركين بعدم اشتراكهم في قنوات الكابل أو القنوات الفضائية، لأنّ لديهم إمكانية الوصول إلى المحتوى الذي يريدون مشاهدته عبر الإنترنت، بقوالب متنوعة وبالأوقات المناسبة لهم.
بالمقابل، يأتي يوتيوب بالمرتبة الثانية عالمياً بعد فيسبوك وفق تصنيف المنصات المستخدمة عند الجمهور لاكتشاف المحتوى الإخباري والوصول له، بنسبة 29%، وبنحو 2.24 مليار مستخدم شهرياً للمنصة الأكبر عالمياً لمشاركة مقاطع الفيديو، أما فيسبوك فيتصدر بوجود مليار حساب مسجل وأكثر من 2.89 مليار مستخدم نشط شهرياً.
وعلى ضوء ما سبق، تُطرح عدة أسئلة، لماذا من الأهمية أن ينسجم رؤساء غرف الإنتاج بالقنوات والشبكات التلفزيونية مع المعطيات السابقة الآخذة بالارتفاع عاماً بعد آخر؟ ما هي المميزات والخدمات التي قدمتها منصات التواصل للقنوات التلفزيونية؟ وكيف يمكن أن نجعل المحتوى التلفزيوني ملائمًا لمنصات التواصل عند إعادة نشره؟
الإجابة الأولى تأتي من مجلة الرسالة للدراسات الإعلامية قائلة: “فرض العصر الرقمي أساليب جديدة على التلفزيون سواء على صعيد الإنتاج أو الاستقبال أو الوسيلة نفسها، فحدث تزاوج بين كل ما تتميز به شبكة الانترنت والتلفزيون في الشكل والمحتوى، أعطت لنا العديد من المخرجات منها التلفزيون التفاعلي الذي يتيح للمشاهد التدخل في البرامج ومحتوياتها واختيار ما يروقه منها”.
ومنصات التواصل بخصائصها المتطورة والمتباينة فيما بينها، قدمت فرصاً ذهبية للقنوات التلفزيونية للحفاظ على جمهورها بل وزيادة حجمه، عكس ما يروج أن أنماط ميديا الإنترنت سحبت البساط الجماهيري من تحت الإعلام الكلاسيكي، كون أن الجميع أصبح يعيش في “عصر الشاشة” المنقسمة ما بين التلفزيون والهاتف المحمول.
فمن الغريب أن تغيب قناة تلفزيونية عن منصات التواصل خاصة الجماهيرية منها، كفيسبوك ويوتيوب وانستجرام، وأيضًا من غير المقبول أن يكون المحتوى المعروض عبر شاشة التلفزيون، هو ذاته المقدم لجماهير الإعلام الجديد من دون وضع اعتبار لخصائصهم وأنماط الجذب والتأثير المتعارف عليها.
وحول ذلك يتحدث المحرر الرقمي عزام العجل بالقول: “دخلت منصات التواصل في السنوات الأولى لانتشارها قبل نحو 17 عامًا، والصحافة التقليدية بجميع تفرعاتها في حلبة منافسة، ولكن تلك الحالة لم تستمر طويلاً لأنّ غالبية القنوات الكبرى تمكنت من احتواء تقنيات وسائل الإعلام الجديد والاستفادة من مميزاته بنسب متفاوتة”.
وأسباب كثيرة هي التي يجب أن تدفع غرف الإنتاج التلفزيوني لإعطاء منصات التواصل اهتماماً خاصاً، وتطوير المحتوى الملائم لذلك شكلاً ومضموناً، ويتحدث عنها “العجل”، الذي عمل سابقاً كمحرر رقمي في قناة تلفزيونية: “باتت شبكات التواصل هي الطريقة شبه الوحيدة للوصول إلى أكبر شريحة من الأفراد، وتقود اليوم تحويلات في العملية الاتصالية وتؤسس لأنماط جديدة في الصحافة”. ويضيف: “لم يعد المشاهد يجد نفسه ملزماً للجلوس ساعة لمتابعة نشرة إخبارية، لأنّ أحدث المستجدات أصبحت بين يديه في ثوانٍ من لحظة الحدث بواتسآب مثلًا، وفي الوقت ذاته يُتم الفرد أنشطته اليومية بدون تعطيل، وباستطاعته أن يجدول مشاهدة الحلقة التلفزيونية إلى وقت يناسبه، وليس وفق الموعد الذي حددته القناة”.
وتظهر مختلف الإحصائيات أنّ الوسائط البصرية تحتلّ مقاعد متقدمة سواء بالمواضيع الإخبارية أو التسويقية، فمثلًا تصل نسبة إعادة مشاركة مقاطع الفيديو بمختلف منصات التواصل إلى 90% مقارنة بالمحتوى النصي المباشر أو الروابط الداخلية.
ويمكن تلخيص أهم الإرشادات التي ينصح بها في سبيل تعزيز استفادة القنوات التلفزيونية من منصات التواصل، في ست نقاط:
- إشراك جمهور المنصات في إعداد المحتوى التلفزيوني، من خلال استقبال المقترحات منه والبناء عليها في تطوير برامج وأفكار جديدة.
- نقل البث الحي التلفزيوني إلى منصات التواصل، والتي تتوفر على غالبية منصات التواصل كفيسبوك وانستجرام وتيك توك، فضلًا عن تيليجرام ولينكد إن ويوتيوب، وهذه الميزة تساعد على تعزيز الثقة مع الجمهور، واستقطاب متابعين جدد من العالم الافتراضي إلى القناة.
- تعزيز طرح “حكايا الناس” طموحاتهم وهمومهم وآرائهم، بما يكسر نمطية العملية الاتصالية الجامدة (مرسل ووسيلة ومستقبل)، ويحولها أكثر إلى تفاعلية تشاركية بما يتوافق مع خصائص منصات التواصل.
- تخصيص مساحات يومياً لعرض ومناقشة أبرز قضايا “السوشيال ميديا” والهاشتاجات، وإعادة عرض المقاطع المصورة الرائجة بين الجمهور.
- إتاحة المجال لـ”صحافة المواطن” أن تقدم نفسها عبر شاشة التلفزيون سواء في النشرات الإخبارية أو برامج متخصصة، حيث تزامن ظهور مفهوم “المواطن الصحفي” مع بروز الإعلام الرقمي بمفهومه الجديد.
- تحويل الحلقات التلفزيونية الطويلة، بمفهوم الإعلام الجديد إلى أجزاء قصيرة، بما يضمن سرعة إيصال المعلومة للمشاهد وتقديمها بشكل جذاب.
وبناءً على النقطة الأخيرة، يستحسن عدم طرح حلقة تلفزيونية ذات 55 دقيقة دفعة واحدة على فيسبوك مثلاً، ولكن ستجد قبولاً إن قسمت إلى أجزاء ومقاطع قصيرة، ثم جرى إعادة نشرها بشكل متتابع، وفق طبيعة الجمهور المستهدف، والخصائص الفنية للمنصة، مع مراعاة الوقت المثالي لتواجد الجمهور على المنصة.