عقد منتدى باميلا هوارد لتغطية الأزمات العالمية، الذي أطلقه المركز الدولي للصحفيين (ICFJ) بالشراكة مع شبكة الصحفيين الدوليين (IJNet) التابعة له، جلسة تدريبية بعنوان “أساسيات كتابة المقالات الصحفية الساخرة”، وذلك في الأول من سبتمبر/أيلول 2022.
وتناولت الجلسة الحديث عن الأدوات التي يجب أن تتوفر لدى الكاتب الصحفي الساخر، وما هي الشخصيات والمؤسسات والأفكار التي يمكن أن ترصدها الصحافة الساخرة وما هو المسموح والممنوع عند كتابة موضوع صحفي بهذا الأسلوب.
قدّم الجلسة الصحفي محمد هشام عُبية، وهو صحفي وكاتب وسيناريست مصري، عمل مساعدًا لرئيس التحرير في صحيفتي التحرير والدستور ومراسلًا لجريدة السفير اللبنانية في القاهرة وعُرف بالعديد من الكتابات الساخرة التي جمعها في أكثر من كتاب من بينها الإنسان أصل الجوافة وتوم كروز في شقة العجوزة.
لماذا يجب أن تكون الصحافة ساخرة؟
استهلّ عبية الجلسة بالحديث عن الصحافة الساخرة وأنها من الممكن أن تكون معمقة، لا سيما وأنّه يمكن لهذا النوع من الصحافة أن يكون وسيلة جيدة لعرض أفكار معقدة، ومن خلالها يمكن مناقشة نظريات سياسية وأفكار فلسفية وأفكار مجتمعية عميقة.
مناقشة الأفكار المعقدة والوصول للجمهور
أكد عبيه أنّ الصحافة الساخرة قادرة على مناقشة الأفكار العلمية المعقدة، لأنها تبسّطها وتقدّمها في صورة أسهل ممّا لو تم تقديمها بشكل مجرد خالٍ من أي سخرية أو عبر جمل متراصة، وبالتالي الصحافة الساخرة هي وسيلة جيدة لعرض أفكار معقدة، مشيرًا إلى أنّ ذلك من أهم الأسباب التي تجعلنا نبحث عن الصحافة الساخرة.
كما أنّ الصحافة الساخرة لها القدرة على الوصول إلى قاعدة جمهور أكبر، حيث أنّ الإنسان عُرضة في حياته إلى العديد من الضغوط النفسية والاقتصادية والسياسية، خاصة في المنطقة العربية، التي تعاني من الحروب والأزمات، وبالتالي تتكوّن لدى الإنسان الرغبة في قراءة أفكار مختلفة والتعمق في الصحافة، لكنه يبحث عن وسيلة أبسط للتعمق في هذه الأفكار وهو ما تقدمه الصحافة الساخرة.
وأعطى عبيه مثالًا حول نوعية القصص الصحفية مثل التحقيقات، قائلًا: “إذا وصل التحقيق التقليدي إلى 10 أفراد، فإن التحقيق إذا كُتب بأسلوب فيه حس ساخر أو أسلوب مرتبط بشكل مباشر بالحس الساخر، فقد يصل إلى أضعاف الأرقام التي يصلها التحقيق المكتوب بطريقة جادة”.
الأدوات اللازمة للكاتب الساخر
هناك أدوات عدّة وشروط ينبغي توفرها لدى الكاتب الساخر، وقد شرحها عبيه كما يلي:
1. الروح الساخرة
قبل أن يقرر أي شخص الدخول في مجال الصحافة الساخرة، عليه أن يستكشف إذا كان لديه حسّ ساخر أم لا، وأن يستشعر أنّ ما كتبه يستحق القراءة من الآخرين.
2. القدرة على الربط الذكي بين الأحداث
يجب أن يمتلك الكاتب القدرة على الملاحظة والربط الذكي بين الأمور، فالكتابة الساخرة قائمة على إحداث مفارقة ذكية ولماحة وعقد مقارنات لأشياء ربما لا يوجد بينها أي ترابط.
3. إدراك القوانين المنظمة للصحافة
قد تكون الصحافة مرتبطة بتغير الظروف العالمية والسياسية داخل البلد الذي يعيش فيه الصحفي، وبالتالي على الصحفي الذي يكتب كتابة ساخرة، أن يتمتع بمعرفة جيدة بالأجواء العامة في الدولة وبالقوانين المنظمة للعمل الصحفي بشكل عام.
4. الخبرة الحياتية والصحفية
كلما زادت خبرة الكاتب الصحفي الساخر الحياتية والمهنية، كلما ساعده ذلك في أن يكون أكثر امتلاكًا لأدواته وأكثر ذكاءً وعمقًا وتأثيرًا في كتابة الصحافة الساخرة.
5. القدرة على التنوع
يجب أن يكون لدى الصحفي الساخر القدرة على التنوع في الكتابة الساخرة المتعلقة بالعمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وانتقاد الأوضاع الاجتماعية والأفكار المتوارثة، لأنّ القدرة على التنوع هي التي تكوّن قاعدة أكبر من القراء.
شخصيات ومؤسسات
أوضح عبيه أنّ كل شخص ارتضى أن يكون مسؤولًا عن مؤسسة أو وزارة أو جهة سياسية أو اقتصادية، فهو هدف للكتابة الساخرة، ويمكن أن يتحدث الصحفي عن أفعاله وقراراته من موقع مسؤوليته بعيدًا عن الجوانب الشخصية، لأنه عندما يقرر أن يمارس العمل العام يجب أن يكون مدركًا أنه هدف متاح للصحافة بشكل عام والصحافة الساخرة بشكل محدد.
والجدير ذكره أنّ الصحافة الساخرة لا تستهدف الشخصيات السياسية فحسب، إلا أنّها تستهدف أشخاصًا يستخدمون القيم الاجتماعية لصالحهم أو يستخدمون السطوة والسلطة في تفسيرات سياسية، كذلك يستهدف هذا النوع من الصحافة الرياضيين والفنانين وغيرهم.
المسموح والممنوع في الصحافة الساخرة
من المهم أن يتذكر الكاتب الصحفي الساخر أنه ينتقد سلوكيات وأفعالًا وتصرفات ولا ينتقد الشخص نفسه، فمن غير المسموح السخرية من ملامح شخص أو طريقة نطقه للكلام أو السخرية من مسؤول بارز في طريقة ملابسه.
ولا يجوز للصحفي أن يسخر من السمات الشكلية أو الفقر أو المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي لمسؤول أو شخص أو كيف كان قبل أن يصبح وزيرًا وكيف يكون بعد توليه المنصب الوزاري.
الصحافة الساخرة هي قوة كبيرة في يد من يستخدمها، وفي الوقت نفسه تواجه قوة ضخمة، فعندما يكون أصحاب النفوذ في دولة ما يستخدمون القهر والعنف والقوة في كتم الأصوات، يجب أن يظهر ذلك في سخرية مماثلة لهذه القوة التي تحاول أن تكتم الأنفاس.
ما الفرق بين النكتة العابرة “الإيفيه” والكتابة الساخرة؟
قال عبيه إنّ النكتة العابرة “الإيفيه” التي تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي تختلف عن الصحافة الساخرة، لأنّ الغرض من “الإيفيه” يكون جمع اللايكات والمشاركات أيضًا، بينما تهتمّ الصحافة الساخرة بالجمهور ولا تستهدف مجرد الحصول على “الإعجاب” ولكنها تستهدف التأثير والتفكير.
كُن حذرًا
أكد عبيه أنّ الكتابة الساخرة خطرة وحساسة وقد تعرّض الصحفيين للدخول إلى السجن، والتاريخ الحديث به الكثير من القضايا التي تمّ رفعها في المنطقة العربية على الكُتاب الساخرين، مشيرًا إلى أنّ القانون لا يكفل لك السخرية، لأنّه يفسّرها في الدول العربية بشكل عام بعبارات مطاطة، وبالتالي يجب أن يدرك الصحفي القوانين المنظمة للصحافة.
واختتم عبيه الجلسة بأنه يجب على الصحفي أن يتمتع بالحس الذكي وأن يضرب بدون أن يرتّب مسؤولية قانونية على نفسه، قائلًا: “نحن نعيش لنكتب، لا نكتب كي ندخل السجن، وبالتالي ما الفائدة على الصحافة ولنا شخصيًا وللقراء من أن نكتب ثم ندخل السجن، يجب أن تكون ذكيًا وحريصًا في الكتابة الساخرة وأن تكتب بطريقة تجعلك تحت الرادار ولو بسنتيمترات”.
الصورة الرئيسية بعدسة مديرة المنتدى فدوى كمال.